تاوس مخاتشيفا: 4224,92 سم² من ديغا

© حقوق النشر محفوظة للمؤلّف/ة ومتحف الفنون الجميلة في لوزان (MCBA). أُعدَّت النصوص بتكليف من MCBA في إطار المنشور بعنوان Taus Makhacheva 4’224,92cm de Degas (تاوس مخاتشيفا. 4224,92 سم² من ديغا” ed. by Nicole Schweizer, MCBA, Lausanne, 2020, Coll. Espace Projet, n°1, fr./engl، وذلك بمناسبة إقامة معرض (تاوس مخاتشيفا. 4224,92 سم² من ديغا) في MCBA، تقييم نيكول شفايزر، 13 مارس – 23 أغسطس 2020.

تاوس مخاتشيفا: 4224,92 سم2 من ديغا
نيكول شفايتزر

 

عادةً ما تُشير أعمال تاوس مخاتشيفا، سواء اتخذت شكل العرض الأدائي أو التركيب الفني أو الفيديو، إلى قصةٍ رَوَتها أو تخيَّلَتها أو شَهِدَتها. فتُسائل الفنانة السرديات الكبرى للتاريخ وانحيازاته الجغرافية والسياسية، وتقف على ما تبنيه تلك السرديات وما تمحوه. في عملها Tightrope  (الحبل المشدود، 2015)، وهو تركيب فيديو عُرض في الدورة السابعة والخمسين لبينالي البندقية، نطالع شخصًا يمشي على الحبل يحمل نسخًا مُقلَّدةً من لوحاتٍ فنيةٍ تعود إلى متحف الفنون الجميلة بداغستان، مسقط رأس الفنانة، في إشارةٍ إلى موقع الفنان/ة وتراتبيات العمل وإنتاج القيمة الفنية. في لوزان، تنسحب تأمّلات مخاتشيفا حيال العلاقة مع الماضي والثقافة وقيمة الأعمال الفنية وتذُبِذبها على المجموعة الفنية لمتحف الفنون الجميلة بلوزان. وكان التركيب الفني الذي قامت بإنتاجه في إطار مشروع Espace Projet نتاجًا لرحلةٍ طويلةٍ من البحث لم تكتفِ خلالها بتعقّب عمليّة الانتقال من المتحف القديم إلى المتحف الجديد وما استلزمته من تغييراتٍ (كالترميم والتوضيب والإزاحة) وحسب، بل انخرطت كذلك في تاريخ مجموعته الفنية وما تُحِيلُ إليه من سردياتٍ كبرى وما تخبّئه من قصصٍ مثيرةٍ عن الأعمال الفنية وجامعيها عبر التاريخ. وعليه، تصطحبنا الفنانة في رحلةٍ عبر متحفٍ متخيَّلٍ يجسّد قصصًا مُستقاةً من الواقع في قالب من الخيال.

يشير عنوان المعرض إلى لغز اختفاء قطعةٍ تبلغ مساحتها 4224,92 سم2 من لوحة باستيل لإدغار ديغا تعود إلى متحف الفنون الجميلة بلوزان، وذلك أثناء فهرستها وتصويرها في مُحتَرَف الفنان في الفترة ما بين وفاته ودخولها إلى المتحف عام 1936.[1] يحاكي هذا الاختفاء الغامض اهتمام مخاتشيفا بموضوع إنتاج القيمة الفنية، ويقدّم مدخلًا يسمح لها بإفراد معرضها كحبكةٍ دراميةٍ وكسرديةٍ في فضاء العرض.

يكاد التركيب الفني يقتصر على القماش فقط، وهي المادة التي تحمي وتغلّف وتَشِفُّ وتَصِفُ في آن. يحيلنا القماش إلى مُسطّح الرسم بقدر ما يحيلنا أيضًا إلى الأزياء والديكور والمنحوتات الوثيرة، وهو ما يدفعنا لقراءة عمل مخاتشيفا كمُجسَّمٍ بالحجم الطبيعي لمتحفٍ مهجور. يأخذنا المعرض بين أجزاءٍ من منحوتاتٍ موزّعة على الأرض، ونثارٍ تُلمَحُ فيه تفاصيل لوحاتٍ فنية، وعلّاقاتِ لوحاتٍ ليّنةٍ تبدو كما لو كانت مصنوعةً للأطفال، وقِطَعٍ من قماشٍ مطبوعٍ تظهر عليها آثار خطوطٍ تعود إلى الأجزاء المفقودة من لوحة ديغا، تُفضي جميعها إلى ما يشبه منصّةً معلَّقةً في الهواء تحتوي على فتحاتٍ يمكن للمرء أن يدخل رأسه في إحداها ليستمع إلى قصصٍ تُبَثّ عبر سمّاعاتٍ مثبَّتةٍ بداخلها. تتفاعل أجسام الزوار مع العرض (عبر السماع) وفي الوقت نفسه تتحول لحظيًا إلى تماثيل عابرة وكأنها جزءٌ من العرض. وعلى غرار المنحوتات، تملأ القصص – قصةٌ عن مزوِّر أعمالٍ فنية، وأخرى عن قيّمٍ فني، وثالثةٌ عن فنان – فضاء العرض وتُحَوِّرُ العلاقة مع الزمن ومع الموجود والمتخيَّل والمرئي والمحسوس.

في العام 2018 وبدعوةٍ من بينالي ليفربول، أنشأت مخاتشيفا فضاءً أشبه بالمنتجعٍ الصحي، يُدعى إليه الزوار للاشتراك في عرضٍ شديد الخصوصية، حيث يتحوّلون إلى منحوتاتٍ بشريةٍ بمحض القوة المجردة للكلام واللمس. تروي الفنانة للمشاركين قصصًا عن الأعمال الفنية المفقودة والتالفة بينما تدلّك وجوههم/ن ضمن أداءٍ يراوح بين العناية بالجمال والترميم الفني، في استدعاءٍ لظاهرة التشاعر الحسّي البصري، وهي متلازمةٌ من التشاعُر المُفرَط تجعل الشخص يحسّ بالألم الجسدي عند تعرّض الآخرين للأذى. بين اللمس والبصر، بين الجسد والأشياء، بين الملموس والمُتخيًّل، يُسائِل عمل مخاتشيفا عبر التجربة الحسية طريقة فهمنا للأعمال الفنية.

[1] أتوجه بالشكر إلى زميلي كامي ليفيك كلوديه، القيّم الفني للفن القديم والحديث، لمشاركته هذا الاكتشاف مع الفنانة. هذه اللوحة لإدغار ديغا (باريس، 1834 – 1917) هي بعنوان Blanchisseuses et chevaux “الغسّالتان والخيول” وقد أنجزها حوالى العام 1904 من ألوان الباستيل والفحم على الورق المقوَّى والحفر بقياس 84,2 X 107,4سم. وهي في حيازة متحف الفنون الجميلة بلوزان ضمن مجموعة هنري أوغست فِدمير، 1936، برقم تسجيل 333. نلحظ في كتالوغ مجموعة ديغا غياب قطعتين من النسخة التي أُعيد إنتاجها، إحداهما لجهة الأسفل والأخرى لجهة اليمين، وأن قياس اللوحة الأصلي هو 107 x 124سم. انظر Paul-André Lemoisne, Degas et son œuvre, 4 vols, Paul Brame and C. M. de Hauke, Arts et Métiers graphiques, Paris, 1946-1949, vol. III, no. 1418, ill. 1418.