fbpx

تاوس مخاتشيفا: توتراتٌ زلزالية

القطع الدقيق

ها هو الآن، قطعناه!

صوت الراوي:

يعتبر الألماس أحد أقدم الموارد الطبيعية في العالم، ويستغرق تكوينه نحو 3.5 مليار سنة على عمقٍ يبلغ حوالي 200 متر. تتدفق الحمم المحترقة إلى سطح الأرض عند ثوران البركان، حاملةً معها معادن تحتوي على مكوّنات الألماس، ثم تتصلّب الحمم مكوّنة خام الألماس. يتكوّن الألماس في الأساس من كربونٍ نقيٍّ يشبه الفحم الطبيعي في مكوناته تماماً، إلا أن الفرق الرئيسي بين الفحم والألماس يكمُن في التركيب الجزيئي: فالألماس متبلور، أي أن كل ذرة كربون مرتبطة بأربع ذرات أخرى، مما يجعل الألماس أصلب المعادن على كوكبنا. ومن الخواص الأخرى المهمة المميزة للألماس هي لمعانه، حيث يتوهج الحجر تحت إضاءة الأشعة السينية أو الأشعة فوق البنفسجية، ويمكن أن يختلف هذا التوهج بشكل كبير ما بين درجات الأزرق الناعم والبني الداكن. وتبدو خاصية التلألؤ هذه عند التعرض للأشعة السينية أثناء استخراج الحجر الكريم من موقعه الصخري.

الذي يجعل الألماس من حجراً كريماً هو قدرته على عكس الضوء، علاوة على شفافيته وقدرته الكبيرة على تشتيت الضوء، أي أنه يحلّل الضوء إلى الألوان الفردية للطيف.

مونولوج كوه نور:

كل ما أتذكره هو تحطُّم كل شيء من حولي وأن الأرض تدور من تحتي. حينها، بدأت أشعر بالحركة والسرعة، وسمعت أزيزاً حاداً وصاخباً، ثم شعرت بتوقّف الزمن حتى وجدوني.

  • ماذا يعني أن تكون أغلى المواد على وجه الأرض؟ أن تنشب الحروب بسبب قيمتك، وأن يتّهمك الناس بأنك تصيبهم باللعنة. دائماً ما أتذكر تلك الفخامة المذهلة وأروع التصميمات الداخلية، كما أتذكر أيضاً الرائحة الكريهة للسراديب المظلمة. ما يدهشني هو أنني معرض على الدوام إلى التطرّف المبالغ فيه، لا شيء في المنتصف.

صوت الراوي:

توجد طرق متعددة لقطع الألماس، لكن هيكله الأساسي يظل كما هو: يحتوي المنتج النهائي دائماً على تاجٍ يتكوّن من الجزء العلوي المرصّع بالألماس، وصيوانٍ يشكّله الجزء السفلي منه. يفصل الجزأين الرئيسيين طوقٌ رفيع هو السطح الذي يحيط بالمساحة الواصلة ما بين الجزء العلوي للتاج و الصيوان. يسمّى الجزء الأكبر من التاج بمقعد التاج، وهو السطح الذي يجمع ما بين النتوءات.و تشبه هذه النتوءات النافذة التي يدخل منها الضوء حتى ينكسر وينعكس على الجوانب الداخلية للصيوان العميق. تعمل النتوءات الأصغر التي يتألف منها التاج على تشتيت الضوء المنعكس وتحليله إلى جميع ألوان الطيف – مما يفسر التوهج قزحي الألوان الذي نراه في بعض الأحيان.

الكوه نور:

  • أتذكر حين بدأ كل شيء يتغير بسرعة كبيرة، وقد استندتُ على مخملٍ في قفصٍ كبيرٍ داخل هيكلٍ زجاجي ضخم. اقترَبَ مني الناس في حالة من الذهول، مثل الوفد الذي كان يتقى بمُلّاكي السابقين. لكنني لم ألاحظ خيبة الأمل على وجوههم.
  • ثم وضعوني بعيداً في مكانٍ مظلمٍ مُضاءٍ بعددٍ كبيرٍ من مصابيح الغاز. كانت هناك مرايا في كل مكان، وكان الضوء ساطعاً لدرجة أنه كاد يعميني. أذكر أنني عُلِّقتُ في الهواء، ولكن عند لمسي غَرَقَ كل شيءٍ في الظلام، ثم أخرجوني ثانيةً وعلّقوني مرةٍ أخرى. لقد خنقني الغاز والضوء.

صوت الراوي:

هناك عدة مراحل لمعالجة الألماس وهي: النقش، والشق، والنشر، والرض، وتقطيع الوجه، والطحن، والتلميع. تتضمّن عملية النقش دراسةً معقدة للحجر الماسي لإيجاد طريقةٍ للنقش مع الحفاظ على أكبر قدرٍ ممكنٍ من الحجم والوزن، ويتم خلال عملية النقش رسم الخطوط التي سيتم بناءً عليها تقسيم الألماسة أو قطعُها.

عادة ما يتم تقسيم الألماس الكبير حسب الضرورة. فمثلاً عندما يكون الألماس غير نظيفٍ تماماً أو يكون به بعض الشوائب الداخلية، فهذا يعني أنه يمكن شق الألماس لنحصل على حجرين أو ثلاثة أحجار كريمةٍ صغيرة ولكنها نظيفة. يقوم أخصائي الشق أولاً بعمل شقوقٍ صغيرة على الحجر باستخدام حجرٍ ماسي آخر، ويُدخِلُ إسفيناً صَلِباً في هذه الأخاديد حيث يتم قطع الحَجَر، وبضربةٍ واحدة حادة من المطرقة، يتم شق الألماس إلى قسمين.

الكوه نور:

  • قبل المداخلة، أرسلوني لفحصٍ مطول. لقد أمضوا بضعة أسابيع في البحث عن شيءٍ ما، شيءٌ ذو قلبٍ (على حسب قولهم)، وعلى ما يبدو كان هذا السبب في أنني لم يكن لدي ما يكفي من اللمعان. ليس لدي أية فكرة عن كيفية ترابط كل هذا.
  • أجريتُ عدّة عملياتٍ جراحية في القلب وفي الأحشاء الأخرى. لقد اخرجوا كل ما هو غير ضروري، وقاموا بتنعيم الزوايا، وشكّلوني، وقلّصوا مُحيطي.

صوت الراوي:

بعد وضع علامةٍ على الألماسة مرة أخرى، يتم قطعها للكشف عن وجوه القاعدة. يتم تثبيت الحجر على حاملٍ ويتم إنزالُه بالتدريج على قُرصٍ قاطعٍ مُغطّى بزيت بِذر الكتّان ومسحوق الألماس – وكما قُلنا سابقاً ونظراً لصلابته الاستثنائية، يتم قَطعُ حَجَر الألماس بحَجَرٍ آخر من الألماس.

الكوه نور:

  • قبل العملية الأولى، قاموا بدعوة شخصٍ آخر للقيام بأول قَطْع. كان خبيراً في مثل هذه الإجراءات. أطلقوا عليه اسم “السيف الحديدي”. بدا لي وأنني كنتُ شيئاً مهماً بالنسبة إليه، تماماً كما كنتُ لمُلّاكي السابقين منذ زمنٍ بعيد. فقامَ بعَمَل القَطْع الأول وغادر بعدها.
  • استغرَقَتْ عملية تحوّلي عدة أيام، لكنّه لم يَعِش ليرى نهايتها، فقد ماتَ بعد يومين فقط من هذا القَطْع الأوّلي.
  • أنا لم أُصِبهُ باللعنة، لكنه ماتَ بفِعل كِبَرِ سنّه.

صوت الراوي:

يتم تدوير قطعة العمل الخشنة وإعطائها شكلها الأساسي باستخدام طرق الرضّ والتحويل. وتتم هذه العملية باستخدام حَجَرٍ ماسيٍّ آخر: حيث يتم فَرْك الألماس ببعضه البعض، مما يعطي الحجر قيد المعالجة مظهراً مستديراً. وبالنظر لتكاليف معالجة الألماس، نجد أنها باهظة للغاية، حيث يُفقَد ما يصل إلى 60٪ من حجم الحجر الأصلي أثناء معالجته لإعطائه ذلك المظهر المستدير. ومع ذلك، لا يُهدَر أي جُزءٍ منه، بل تُستَخدَم رقائق الألماس في إنتاج قطع الألماس الأخرى، كأن تُستَخْدَم في تغطية أقراص أدوات التلميع.

المرحلة التالية هي تلك الخاصة بتحديد المظهر والتلميع اللاحق. ويعتمد التشكيل النهائي للألماس على الموضات المعاصرة. أحياناً يكون الألماس مربّع الشكل رائجاً، وأحياناً تكون الموضات الرائجة على شكل قطراتٍ أو أشكالٍ بيضاوية. وقد يحدث أنّه ولاتِّباعِ أحدث الموضات (أي بمعنى آخر، لزيادة القيمة المعاصرة للألماس)، يتم صقل الأحجار الماسية القديمة ذات الأسلوب القديم لتتوافق مع الموضات الأكثر حداثة.

وعلى أية حال، نجد أن الشكل الأكثر شيوعاً وكلاسيكية هو الألماس الدائري ذو 57 وجهاً (ويشكّل الوجه 58 المقعد). وعلى الرغم من أنه يتم تحسين النموذج المثالي باستمرار، إلا أن أسلوب القطع هذا يتم وفقاً لتركيبةٍ مُجَرَّبَةٍ ومُختَبَرَةٍ لتحديد عُمق الصيوان والتناسق المثالي، وتحديد النتوء الصحيح لتَمكين الحجر الماسي من تحليل الضوء والكشف عن توهجه الداخلي على أفضل وجه – أي للوصول إلى هذا التشتت الغريب للضوء والناتج عند تحليله إلى ألوان الطيف الكاملة.

الكوه نور:

  • لَقِيَ العديد من الرجال الذين لمسوني حتفهم. كما يُقال أنّ مَن يملُكَني يُمنَحُ جُرعةً من معاناتي إلى جانب حصوله على القوة التي تُمَكِّنُه من التأثير على العالم. لكن يمكن للمرأة أن تملُكَني دون التعرض لخطر الوقوع تحت اللعنة.
  • واحدة من هؤلاء السيدات لم تكن تحبني كثيراً. ربما لأنني كنت أُذَكِّرُها كثيراً بالدم الذي بُذِلَ في سبيل الحصول عَلَيَّ. لقد احتفَظَتْ بِي تحت الزجاج، وعُدتُ مرّةَ أخرى لأتذكّر التسلسل الطويل للضوء والظلام، والوجوه، والوجوه، والوجوه…
  • رأيتُ مالكي السابق ذات مرة. ظلّ صامتاً لعدة أيام عندما رأى ما حلَّ بي بعد العملية.
  • لقد وُلِدتُ من خلال الانقسام، وسأحمل في داخلي إلى الأبد اهتزازاً طفيفاً من حركة الصفائح التكتونية، حيث تم انتزاعي من مضجعي الذي كنت مستقراً فيه، ووضعي تحت قرص الطحن.
  • اقتَرَحَ شخصٌ ما إعادة تقطيعي مرة أخرى وإرسال قطعة مني إلى كل دولة كنت أنتمي إليها.

أحلام المريض “د”

المريض “د”. 47 سنة، ذكر،قوقازي العِرق.

حُلم رقم 4:   بتاريخ 12/01/2016

هذه هي الزيارة الثامنة للمريض “د”. أصبح أكثر ثرثرةً واسترخاء. يمزح ولا يخجل من البكاء.

استمرَّت الأحلام التي ذكرناها آنفاً. ووفقاً لما قاله المريض “د”، فإنه يحلم الآن “بحياته الماضية”. كانت كلماته ذات نكهةٍ شرقية معينة، كانت تَضُمُّ حصوناً وقصوراً.

يشعُر المريض الآن بثِقَلِ جسمه، فيقول: “إنني أتسلّق سُلَّماً عريضاً. كل خطوةٍ تُسَبِّبُ لي الإجهاد. أُحاولُ تنسيق أفعالي وأشعرُ وكأنّ لي أربعة أرجُل”.

قد يكون إحساسه بثِقَلِ وزنه وامتلاكه أربعة أرجل – مع إحساسه بالضغط على جسمه – مرتبطاص بوضعية نومٍ غير مريحة، كأن يكون المريض مستلقياً على بطنه. وقد يرتبط الشعور بثِقَلِ الوزن في نفس الوقت بالتفكير في القرارات القادمة التي سيتم اتخاذها، والمخاوف المرتبطة بأحداثٍ عاشَهَا في السنوات الماضية. في الآونة الأخيرة، كان المريض يفكر كثيراً في الماضي وفي إنجازاته الشخصية.

اختار وعي المريض “د” أسلوباً شرقيّاً غريباً رغبةً منه في التجرّد من الواقع وإبعاد نفسه عن شواغله الحالية. وقد يكون ذلك أيضاً لأن المريض له رغبة طويلة الأمد في السفر، وهي رغبةٌ لم تتحقق له أبداً.

دائماً ما يَصِفُ المريض المساحات بتفاصيلٍ غير اعتيادية، حيث يقول: “أنا أقفُ في غرفةٍ كبيرة تشبه السرادق، شديدة السطوع ويتدفق الضوء إليها عبر النوافذ، ولكن بطريقة شديدة الروعة، حيث أن النوافذ مغطاة بشاشاتٍ منحوتة من الرخام، شاشاتٍ بيضاء شرقيةٍ ذات نقوشٍ نباتية دقيقة. أرى الغبار الوردي وهو يطفو في أعمدة الضوء الناجمة عن دخول الضوء من النوافذ، فتبدو الجدران وردية اللون، وأسمع أصوات صدى خطوات حارسي أو حاشيتي. كنت أشغل 70٪ من المساحة، وأشعر بمدى تقارُب الجدران والنوافذ حتى وكأنها تضغطُ علي، وحتى السقف كان يضايقني إذا ما رفعتُ جذعي”.

هنا، قد يرتبطُ هذا الوصف من قِبَل المريض بوضعيته أثناء النوم أيضاً؛ فقد تكون الغرفة سيئة التهوية وخانقة، مما يعيق تنفّسه (تصوُّر الغبار يشير إلى الإحساس الجسدي بالهواء الفاسد وضيق التنفس). كما يُظهِر ضيق التنفّس أيضاً إحساس المريض بأنه يتنفّس عبر خرطوم، وهي طريقةٌ غير مُعتادة للإنسان لاستنشاق الهواء. تُشير الطبيعة الضيقة “للغرفة الكبيرة” أيضاً إلى الحالة النفسية المضطربة للمريض.

يستمر المريض في الوصف ليكشف أيضاً عن قلقه الداخلي من خلال قوله: “في مرحلةٍ ما، بدأتُ أُلاحظ كيف بدأ الغبار الوردي في الهواء بالتحرُّك ليشبه هبوب الريح، فكان يندفع بسرعة في ركنٍ أو آخر من أركان المكان. أرى في هذه الحركة البطيئة للجسيمات كيف أن بعض الجسيمات تبدو متضخمة، وتظهر فيها ملامح الوجوه البشرية. أود أن أضيف أن الوجوه كانت ساخرة بشدة، وكأن الغبار يضحك علي، لكن في مرحلةٍ ما بعد ذلك، كنتُ أرى هذا الضحك يتحوّل إلى دموع”.

حقيقة أن “الغبار يضحك ويبكي” للمريض تخبرنا أيضاً عن عدم استقراره وإدانته وإذلاله لذاته، ربما بسبب الأزمة التي يمر بها أو لأن المريض غير قادر على مسامحة نفسه على الموقف الذي حدث.

يواصل المريض وصف الحلم: “لاحظتُ رجلاً في زاوية الغرفة، رجل بلاطٍ يرتدي سروالاً أخضر فضفاضاً. هذا هو مستشاري، اليد اليمنى لرئيس الوزراء. إنه يهمس بشيءٍ في زاوية الغرفة ولا يراني برغم حجمي. فاستدرتُ لأرى رجلاً يرتدي ملابس غربية علمانية في زاوية أخرى، كان يلقي بمسمعه في زاوية أخرى وينظر إلي بخوف. أشعرُ بقوّتي وسيطرتي عليه. أرى شعوره بالخوف وحقيقة أنني أكبر من هذا الشخص الذي يمكنني سحقه بسهولة. ثم بدأتُ في الارتعاش.

تشير ازدواجية مظاهر الشرق والغرب في حلم المريض “د” على الاضطراب الداخلي حول هويته. ربما يجد طلاقه الوشيك أصداءً في هذا الحلم أيضاً. ومن المثير للاهتمام أن المريض “د” يشعر أن الخطر يأتي من “رجلٍ غربي”. يستشعر المريض “د” المؤامرة، كما أن لديه حالة معتدلة من “جنون العظمة”، وهو أمرٌ طبيعي في وضعه الحالي. هنا أيضاً تشير حقيقة أن “الشرقيّة” هي أمرٌ أقل عدائية بالنسبة له إلى طموحات المريض الفاشلة في زيارة أراضٍ جديدة. وكما نعلم، فلم يخطو المريض “د” خارج حدود بلاده بتاتاً.

حلم رقم 1:  بتاريخ 23/10/2015

هذه هي الزيارة الخامسة للمريض “د”. إنه مرتاح، لكنه لا يزال متشككاً وغالباً ما ينسحب إلى دواخله.

وصف الحلم:

 “أنا في حزبٍ أرستقراطي من نوعٍ ما، يبدو الجميع أثرياء للغاية ولكنهم من الطراز القديم إلى حدٍّ ما، كما لو كانت صورةً من القرن التاسع عشر، حيث ترقص مع سيدةٍ ساحرة لكنها تختفي بعد ذلك. كل شيء مبهمٌ بالنسبة لي، وأجد صعوبة في رؤية ما يحدث. لا أفهم كلام الناس، بالرغم من أنني افهم بضع كلمات. كنا نشرب الشمبانيا مع بعض الناس، لكن كان لدي شعور بأننا ننتظر شخصاً ما”.

تشير عدم قدرة المريض “د” على رؤية الصورة بوضوح في حلمه إلى اهتمامه بالمستقبل. لا يمكن لعقل المريض “د” “وضع نفسه” في سياقٍ واع، على الرغم من أن المريض قد تذكّر أثناء المقابلة أنه كان في حفلة عيد ميلاد عمّه خلال الأسبوع السابق. كما يشير الجانب الأرستقراطي لما يحدث إلى شيءٍ “بعيد المنال”. يشير سوء فهم الكلام والشعور بالترقّب إلى أن المريض “د” “لا ينتمي للمكان” في هذا الموقف (حاضره)، ويبدو الأمر كما لو أنه يبتعد عن نفسه، جاعلاً من نفسه مُراقباً للأحداث، إلا أنه يعاني من صعوبة في الرؤية.

“أتجوّل في المساحة. إنها مشرقة للغاية بوجود الأضواء والشمعدانات في كل مكان. لكنني ما زلت لا أستطيع تمييز الناس، كل شيء يبدو ضبابياً”.

يحاول وعي المريض “د” أن يستكشف الوضع، لكنه لا يزال يقاوم صعوبة النظر إلى “المستقبل”.

“يأتي زوجان إلي، رجل وامرأة، كلاهما أكبر مني. يلمع الألماس على صدر السيدة. سألني الرجل “هل تتذكر هذا؟”. نظرتُ إلى الحجر الماسي وبدأتُ في البكاء، أشعر بالغباء ولا أستطيع الرد على الرجل، فقالت لي المرأة “مثل هذه العيون الجميلة لا ينبغي أن تبكي” وقادتني إلى غرفة. “

يرمز الزوجان على الأرجح إلى والدي المريض “د”، كما أن النداء الموجه إلى المريض هو نداء يعود للوالدين في طبيعته. ووفقاً لما قاله المريض “د”، فقد هجراه والديه منذ فترة طويلة، لكن من الواضح من الحلم أن المريض يحتاجهما تماماً كما كان في حاجة إليهما خلال طفولته. يثير الألماس المشاعر السلبية في المريض وكذلك مشاعر الإحباط. ربما جسَّد وعي المريض “د” طفولته عبر الألماس.

“نجلس على السرير، تمسك بيدي وتقول شيئاً، لكنني لا أفهمها. ما زلتُ أجد صعوبة كبيرة في رؤية أي شيء بوضوح. كانت تضع الألماس على صدرها. نظرتُ إلى المرآة المعلقة أمامي، فوجدتُ شعري قصيراً. تمكَّنتُ من رؤية نفسي بوضوح، وكان يبدو عمري حوالي 17 سنة وكانت بشرتي داكنة. في اللحظة التالية، بدأ شعري ينمو بسرعة، كان ينمو وينمو بسرعة كبيرة، كان لدي لحية وكانت تنمو هي الأخرى. أرى وجهي محاطاً بشعرٍ أسود كثيف ولحية، وبدأتُ أكبر. لم أتقدّم في السن، ولكنني بلغت سن الرشد فقط، حينها استيقظتُ حتى لا أموت”.

هنا تأتي صورة أم المريض “د” لتأخذه بعيداً وتحاول مواساته، لكنه لا يزال يعاني من الانفصال. يرى المريض “د” الآن بشكل واضح للمرة الأولى، لكن ما يراه هو صورةٌ لنفسه. وفي نفس الوقت، لا يصف المريض نفسه، بل يصف الأنا الأخرى – وهو شابٌّ ذو بشرة داكنة. هذه صورة منفصلة أخرى يعالج المريض “د” مخاوفه عبرها. إن استمرار نمو الشعر والخوف من الكِبَر أو الموت يجبر عقله الباطن على التخلّص من خوفه أخيراً، لكن وعيه يمنعه من فعل ذلك ويوقظه من الحلم.

حلم رقم 3:  بتاريخ 11/12/2015

 “أنا في غرفة في الطابق الأرضي. أرى السماء الممطرة عبر النافذة في يومٍ صيفي مشرق. سمعتُ شخصاً ما ينقُر على نافذة غرفتي. لم أستطع النهوض في البداية، لكن النقر ظلَّ مستمراً. لذا، اضطررتُ إلى الذهاب إلى النافذة، حيث وجدتُ امرأة تقف في الخارج. لقد كانت قريبتي، إما أمي أو جدتي. ورأيتُ بعض الأطفال والمراهقين يسخرون منها ويرشقونها بالحجارة. لذا صِحتُ بهم، لكنهم استمروا في السخرية منها. بعدها، عَبَرتُ النافذة ووجدتُ نفسي هذه المرأة. لذا، أردتُ الابتعاد عن هؤلاء الأشخاص الساخرين مني، فجريتُ مبتعدةً عنهم، لكنهم كانوا يلحقون بي. بعدها، تحوّلوا إلى جنود. كان الجميع يريد الامساك بي، كنت خائفة، لكنني أعلم أنني أنا، وقد كانوا يمسكون بجسد هذه المرأة.

أنا الآن في زنزانة وأشعر بالعطش الشديد. لقد أمسكوا بي، لكنني كنت أشعر بشيء ما في داخلي لا يمكنني وصفه، كما لو أن شيئاً كبيراً ومُهمّاً في داخلي يمنحني القوة والثقة، ويمنعني من الاستسلام.

لقد جاءوا مرة أخرى. وقيّدوني بالأغلال وسخروا مني، لكنني بدأتُ في النمو وزاد حجمي وانتفخ جسمي، وانكسرت السلاسل الموجودة حول ذراعيَّ وأرجُلي، وتحوّلتُ إلى فيلٍ وانهار السجن كله من حولي وأصبح مثل البيت الورقي. قمتُ برفع كَتِفِي وسرتُ في الحديقة الإنجليزية العامة. أنا الآن في صورة امرأةٍ- فيلٍ كبيرة وحرة، لكنني لاحظتُ أنني فقدتُ شيئاً كبيراً في داخلي. وبدأتُ أبكي بمرارةٍ من قلبي، واستيقظتُ باكياً”

 (ملاحظات المحلل النفسي غير مقروءة) ***

الجدران الناطقة

القبر

كان هناك محظيةٌ هي محظية الشاه المفضلة، ولكنها ارتكبت خطأ جسيماً عندما ابتسمت لرجلٍ ما بالخطأ فدفنوها وهي حية. وبعد ذلك، تولّى ابن تلك المحظية زمام السلطة، واختارني لحماية قبرها، وهو ضريحٌ رخامي فخمٌ سداسي الشكل. لقد عبَّر عن حزنه من خلال النقوش الموجودة في الحجر.

ثم تجمَّعَت سوقٌ شرقيةٌ تدريجياً من حولي.

ثم أصبحتُ مقر إقامة الجنرال الإيطالي، والذي قام من خلال عمله في التجارة بتزويد جيش المهراجا بأقمشة الصوف والبارود.

أصبحتُ كنيسةً أنجليكانيةً لفترةٍ وجيزة، فكنتُ أسعى جاهداً إلى تفخيم أصوات احتفالات عيد الميلاد عبر زيادة استدارة جدراني.

واليوم ومن منطلقٍ رسمي، فقد أصبحتُ مؤسسةً خدميةً مدنية تتخصص في أرشفة أوراق وسجلّات الدولة، لكنني ما زلت حارس المجهول.

القصر الصيفي

يضيع الجميع بداخلي. هكذا تم تصميم. قلّةٌ من الناس على عِلمٍ بوجودي. عَمِلَت جدراني السميكة على الحفاظ على برودتي. كان اتساع النوافذ يقل كلما اتّجهنا للخارج، مما سمح بدخول الهواء البارد من النهر دون أن يسمح بخروجه من الغرفة. كان الصمت يعم جميع الممرات، وكان من يهمس في أحد أركان القاعة يمكن سماعه في الزاوية الأخرى. أنا نفسي كنتُ خفيّاً، لكن اللوحات المعلّقة على الجدران كانت ترى كل شيءٍ وحدها.

ثم قاموا بوضع الجصّ على الجدران وكتم أنفاسها لعُمرٍ كامل، وأعادوا بنائي، ونحتوا الأقواس داخلي، لكنهم لم يستطيعوا التخلص من تلك البرودة.

ثم بدأوا في تبييضي، ووضع الجصّ عليِّ وتنظيفي وتهويتي، واستخدموني لفترة طويلة في تخزين الأسلحة والذخائر.

لكن ممراتي كانت لا تزال صامتة، ولا يُسمَع فيها إلا صوت الهواء البارد في ساعات الظلام.

الحمام العام

كان كل ما يبقيني متماسكاً هو مزيجٌ من القليل من العدس وصفار وقشور البيض وقشور الأرز ومسحوق من الرخام والحجر الجيري والطين والماء والقليل من طعام “الدال”. أقومُ بتدفأتك. سيحتاج أولئك القادمون من بعيد لثمانية حمّاماتٍ ساخنةٍ وثمانية حمّاماتٍ باردة. دائماً ما تَفِي المياه الجارية باحتياجات هؤلاء الرجال، وأحياناً النساء أيضاً. كانت الوجوه المُزهرة لأولئك الذين صنعوا هذه الجدران ترعى الراحة والهدوء، بينما يشاهد المستحمين لوحاتي الجدارية التي تبدو فيها حدائق عالَمٍ آخر.

بعدها قاموا بتلويني باللون الأصفر، وبعد ذلك قاموا بتغيره إلى اللون الأبيض. ثم أصبحتُ مستشفى ثم مكتباً ثم دار ضيافة. بعدها أصبحتُ متحفاً أثَريّاً ومحلاً لبيع التوابل، ثم أصبحتُ نصباً معمارياً تذكارياً. لقد كنتُ أشياء كثيرة، لكنني الآن مجرّد هيكلٍ فارغٍ، أزخَرُ بتاريخي الخاص.

المسجد

أنا مسجدٌ بديعٌ حقاً. بداخلي فناءٌ مفتوح، ويتوافد الناس لزيارتي بكثرة، حيث يتبادلون الأخبار ويقتربون من الحياة الآخرة. أسقُفي منحوتةٌ على شكل أقراص العسل، وكلُّ ما بداخلي من الفسيفساء الخزفية، والجداريات والنقوش، كل شيء بداخلي يجعلك تشعر بالأبدية. كما يوجد بداخلي نافورةٌ مشمسة وأقواسٌ باردة. تميل أبراجي الأربعة إلى الخارج حتى لا تسقط في فناء المسجد في حالة حدوث زلزال، حيث تميل بمقدار 2-3 درجاتٍ على حدّ قول العلماء، وهو ما يزيد بمقدار 0.01 درجة كل عام. وإذا لم يتم ضبط الميل بهذا المعدل كل عام، فإن المآذن ستنهار من تلقاء نفسها في غضون 19 عاماً. ووتبدو في إحدى النقوش على أحد أبراجي الآية القرآنية “كل من عليها فان”، في حين تبدو في نقشٍ آخر تتمّة الآية: “ويبقى وجه ربك”.

تقاريرإلى الشاه من مهَلدار حميدة بانو

التقرير السادس والخمسون للمهَلدار حميدة بانو

وفقًا لآخر التقارير الصادرة عن خدم الحريم والأوصياء عليهن، لم يكن هناك أيُّ عِقابٍ في قضايا الرشوة الصغيرة. لذا استمرت العديد من المحظيات في تقديم الرشاوى للخدم والمخصيين بقصد تقديم التقارير والطلبات المسهبة إلى بيت المال.

حول إقامة الأمير في القصر

 ذهب الأمير في رحلةٍ لمدة عشرة أيام، إلا أن التقارير الواردة من مخدعه الخاص تشير بأنه كان من المفترض أن يعود قبل ثلاثة أيام.

التقرير التاسع والسبعون للمهلدار حميدة بانو

قائمة الجرد التي تم تجميعها خلال المعاينة الأخيرة لمقر محظيات المرتبة الثانية:

  • مرايا ذهبية (تحقق من مصدرها) – 3 قطع
  • قطع من الحرير الأحمر – 2 لفّة
  • قطع من الحرير الأزرق – 4 لفّات
  • قطع من الديباج (مطرزة بالذهب) – 1 لفّة
  • الببغاوات – 2 عناصر
  • طقم مجوهرات من الذهب المرصع بالياقوت – 15 قطعة (دلّايات وخواتم وأساور، الياقوت بحجم الحمص والبازلاء الصغيرة)
  • سلاسل من اللؤلؤ – 6-7 لكل محظية (بحجم البازلاء الصغيرة)

كما تم اكتشاف بعض الملاحظات الشخصية أثناء التفتيش (جاري التحقق من ملكيتها). هذه السجلات مرفقة:

الملاحظة الأولى

للطلب:

قطعة من الحنّاء، باقتين من أوراق نبات التنبول، كُحل حجر الكاجال وأنبوبٌ له، عصي كحل السورما (4 قطع)، 2 ماشا من الميسي،  قماش شاش من “المياه الجارية” (آبي روان)، قماش شاش من “الهواء المحبوك” (دفت هوا) (3 قطع لكل منهما)، خيوط حريرية (لعمل الدانتيل) ، خيط ذهبي (لفّة واحدة).

 الملاحظة الثانية

يقولون أن عدد حريمه يصل إلى 15 ألف امرأة، حيث أنه كلما سمع عن امرأة عذراء جميلة لا يهدأ حتى يمتلكها. كما يقولون أنه دائماً ما يشعر بالسخونة، ويحب الاستلقاء في بركة من الماء المثلج. يستلقى على وجهه لفترة طويلة بمجرد أن يثمل. قام المخصي بسحبه من شعره عندما وجده يستشيط غضباً ويديه مقطوعة. ثم انتهى به الأمر إلى فعل الشيء نفسه مرة أخرى واختنق.

الملاحظة الثالثة

باقتين من أوراق نبات التنبول، 2 قطعة من الحنّاء، 2 ماشا من الميسي، زجاجات من ماء الورد، معجون خشب الصندل.

خشب الصندل الأحمر له رائحة غريبة تشبه رائحة بول الماعز.

الملاحظة الرابعة

جاء الطبيب. ربط خيطاً حول معصمي، وأمسكه بأصابعه، كان الخيط يرتجف. ثم كتب شيئاً على قطعة من الورق وغادر. ربما أنا بالفعل …

الملاحظة الخامسة

الليلة، وضعت سيدة حوضاً من بتلات الورد لتسخن فوق النار. امتلأت الحديقة بأكملها بالرائحة العطرة. بدأ الجميع في المشي كما لو كانوا سكارى.

الملاحظة الخامسة

تشاجرت أنوما بيغوم مع أمين الصندوق مرة أخرى.

الملاحظة السادسة

اليوم، كانت نارسيا بيغوم تصطاد مع الشاه، حيث رأت الكثير من الغزلان- يقال أنه أقام حديقة خاصة للغزلان.

عليك أن تقرر ما يجب عليك فعله حيال هذه الملاحظات/التدوينات بنفسك.

التقرير الرابع والثمانون للمهلدار حميدة بنو

أرسل أحد مؤرّخي لاهور رسالة مفادها أنه مع اقتراب شهر أبريل، غادر عشرة أشخاص المدينة متجهين إلى أمين آباد على بعد اثني عشر كيلو من العاصمة. وعندما هبّت ريح شديدة، احتموا تحت شجرة. في الوقت نفسه، هبت رياحٌ دوامية حارقة وشديدة لدرجة أنهم أصابوا بالحمّى، وتوفي تسعة منهم. وظل الناجي العاشر مريضاً لفترة طويلة ولم يسترد صحته إلا بعد أن عانى معاناة كبيرة. سقطت جميع الطيور حول هذه الشجرة على الأرض وماتت. اشتدّ الحر لدرجة أن الحيوانات البرية بدأت تتساقط ميتة في الحقول التي وقفوا فيها.

التقرير التاسع والتسعون للمهلدار حميدة بنو

اليوم وبعد فترة وجيزة من تناول وجبة منتصف النهار، أخذ الأمير أدوات الكتابة الخاصة بي وكتاب المذكرات الذي أكتب فيه تقاريري. كان برفقة محظياته وجلس معهم في غرفته الخاصة التي لا يُسمح لي بدخولها. مكث هناك حتى العشاء، وبالتالي فقد منعني من تسجيل ما كان يحدث. أناشدكم أن تتحدثوا مع الأمير لأنه يجعلني أخالف واجباتي.

رفض الأمير تلبية طلبك وغادر القصر بالرغم من أنني ذكرته بأوامرك، كما تصرف معي بشكل سيء.

رسالة تقدير من مهلدار حميدة بنو

سيدي، أود أن أشكرك مرة أخرى على المكافأة المالية وعلى الاعتذار العلني الذي قدمه الأمير لي. أقسم لك أنني سأستمر في العمل بصفتي كعينيك وأذنيك، وأن جميع الأجيال اللاحقة من أمثالي سيقومون بالمثل لذريّتك.

عبارات المقاطعة

صه.. استمع

انظر لأعلى

انظر هنا

اغلق عينيك

هل يمكنك سماع دقات القلب؟

دقات قلب من هذه؟

مهلاً! تعال الى هنا

اقترب

ابقَ هناك!

لا تقترب أكثر!

استدر، هل تسمع؟

هل تشعر بذلك؟ إنها باردة.

هل تسمع أي شيء؟ لقد جاؤوا

أنا أشعر بك

أنا أعرفك

هل فهمت؟ أم أكرر ثانية …

لن يسمع أحد

إنهم يتحدثون